الثلاثاء، 8 فبراير 2011

فخامة "القاتل"

أعلم جيداً أننا شعب عاطفي و أعلم أن من أسهل الأشياء علي الإعلاميين الدهاة التأثير علي مشاعر الناس باستخدام استمالات عاطفية.
لهذا فقد تطيرت و تشاءمت عندما استمعت إلي كلمة مبارك التي لا شك كتبها له شيطان لعين يدرك كيف يدق علي أوتار الناس البسطاء و كيف يتلاعب بمشاعرهم عندما حمّل الكلمة باستمالات عاطفية من العيار الثقيل مثل التركيز علي التاريخ العسكري للرجل و الدور الذي أداه في خدمة الوطن دون التطرق إلي التاريخ الرئاسي الذي لا يحمل سوي الكوارث و المصائب لشعب مصر.كذلك ركز كاتب الخطاب علي مسألة أن الرئيس قد عاش عمره كله في مصر، و ينوي أن يموت و يدفن فيها. و لا يخفي عليكم التأثير الذي يمكن أن يحدثه كلام رجل عجوز في الثالثة و الثمانين من عمره يبدو منكسراً يقول للناس أنه ينوي نزولاً علي رغبتهم أن يترك الحكم بعد أن يتم فترته الحالية ثم يتمني لمصر الخير و السلامة في نهاية كلمته!.

من الطبيعي لكلمة كهذه أن تدفع الدموع في عيون ربات البيوت و غيرهن، و أن تجعل الكثير من الرجال يرقون لحال الرجل علي الرغم من خطاياه السياسية الواضحة و أن يقولوا للمتظاهرين كفي فالرجل قد تجرع السم و هو ينزل علي طلباتكم جميعاً!.
لكن يبدو أن الخطاب كان يحوي كلمة سر مثل تلك التي كانت في خطاب جمال عبد الناصر عند تأميم القناة عام 56 عندما ذكر كلمة "ديليسبس" و بعدها انطلق الرجال ليسيطروا علي مرافق القناة و يتولوا القيادة بديلاً عن الأجانب. و يبدو أن خطاب الريس كان يحمل كلمة سر ما إن سمعها الشبّيحة و المجرمون من ميليشيات الحزب الوطني حتي اندفعوا إلي ميدان التحرير في موقعة الجحش الشهيرة حيث قتلوا و جرحوا مئات من الشباب الصامد في الميدان. و علي أثر ذلك تم إبطال مفعول الشحنة العاطفية و انقضي تأثير حقنة البنج التي تلقاها الناس في خطاب الرئيس و بدأوا يفيقون و يدركون فداحة أن يطمئنوا إلي وعود  الرئيس الذي يريد أن يشتري وقتاً إضافياً لترتيب الأوراق بثمن رخيص جداً جداً جداً عند سيادته و هو دماء أبناء مصر!.

عندما كان الإعلاميون يتشحتفون و ينهنهون عقب خطاب الرئيس وجدت نفسي أكاد أبكي من الحنق علي حال الناس الطيبين الذين ابتلعوا الطُعم.
و علي الرغم من أن المذيعة مني الشاذلي غالية عندي و أحمل لها الكثير من الود و التقدير إلا أنها كسرت قلبي في تلك الليلة عندما جرفت مشاعر الناس في سكة تاييد الرئيس و التعاطف معه.
يوم الأحد 6فبراير كان يوم الشهيد بميدان التحرير و تم تأبين عدد من أقمار مصر من الشباب الأنضر من الورد البلدي الذين قتلتهم رصاصات و قنابل و مطاوي و أحجار السيد الرئيس و الذين معه من أصحاب المليارات.
سألت نفسي هل شاهدت السيدة الفاضلة سوزان مبارك زوجة الرئيس الملياردير و أم رجل الأعمال الملياردير و أخيه السياسي الملياردير صورة الشهيدة سالي مجدي زهران..الفتاة الأحلي من البدر في ليلة تمامه التي حلم والداها بيوم زفافها فأرسلها الأخ حبيب العادلي صبي السيد الرئيس إلي الجنة بقرار فوقي صدر له فنفذه بمهارة يحسد عليها.

و هل شاهدت الأم سوزان مبارك راعية الأمومة و الطفولة دموع أم الشهيد رامي الذي تم اغتياله من أجل أن يظل سيادة الرئيس علي الكرسي لستة أشهر أخري؟. هل سمعت باسم الفنان الشهيد أحمد بسيوني الذي كان يحلم بالفن و  الخير و الجمال و يري مصر وطناً جديراً باحتضان مثل هذه القيم؟.
هل شاهد الأمهات بكل بيت مصري الفيديو الذي بثته الجزيرة و الذي تم تصويره من إحدي البلكونات في اسكندرية و فيه شاب أعزل يقف في مواجهة قوات الأمن المسلحين بالرشاشات يطلب منهم أن يترفقوا بمصر..هل سمعت الأمهات صراخ البنات اللاتي كن يقمن بتصوير المشهد و لم يخطر ببالهن أن يطلق مجرم أثيم من ميليشيات أمن مبارك النار علي الفتي فيخر صريعاً في الحال وسط صرخات البنات الهستيرية لهول المنظر. من يعوض أم هذا الشاب و أبيه؟. من يعيد التوازن للفتيات اللواتي صورن المنظر و شهدنه بكل الرعب و الفزع و الذهول؟.
هل شاهد أعضاء المجلس القومي للمرأة من الهوانم الملتفات حول الهانم الكبيرة في غدوها و رواحها صورة الشهيد أحمد إيهاب الذي تزوج من شهرين فقط و صرعته رصاصات الغدر يوم 25يناير؟. هل شاهدن صورة القمر المغدور حسين طه الذي اغتاله رجال الرئيس بالاسكندرية يوم 28يناير؟. هل شاهدن الطالب الجامعي عمرو غريب الذي ظن و هو يخرج في مظاهرة سلمية أنه في حماية مبارك فمات شهيد أفكاره البرئية؟. هل شاهدت الهوانم الشهداء إسلام بكير و كريم أحمد رجب و محمد حسام الدين و مصطفي عبد الفتاح و أيمن علي و غريب السيد و مدحت طاهر و حمادة لبيب و محمد عاطف و غريب عبد العزيز و مصطفي محمود و سليمان صابر علي و محمد محروس و محمد عماد حسن و محمد راشد و كريم بنونة و محمد عبد المنعم حسنين و محمود سعيد هدية؟.

هل سمع الوزراء و زوجاتهم من خدم الهانم إسم الشهيد سيف الله مصطفي البالغ من العمر 16 سنة فقط و الذي تم حرمانه من سبعين سنة كانت في انتظاره بالحياة حتي يصبح في سن الرئيس لولا أن فخامة الرئيس يريد أن يجلس معنا لستة أشهر أخري؟!.
تحضرني في هذا الموقف القصيدة أو المنظومة النثرية التي كتبها الشاعر زاهي وهبي الإعلامي اللبناني المعروف بعنوان "فخامة القاتل"

كتب زاهي وهبي القصيدة عام 2005 للرئيس اللبناني الذي ضحي بدماء الشباب من أجل البقاء في السلطة لمدة أخري:
"من التالي؟
من منا سوف يودع من؟.
وراء نعش من سوف نسير غداً؟.
أي أم سوف تنزوي في ثياب الحداد؟.
أي زوجة سوف يطفح كيل حزنها و أساها؟.
أي ابنة سوف تقطف وردة لروح أبيها؟.
القتلي يشيعون تباعاً و القاتل يحتفظ بابتسامته الصفراء.
المفجوعون و المقهورون و الحياري يصلـّون لراحة أنفس الضحايا و القاتل يحار:أي ربطة عنق سوف يرتدي هذا النهار؟.
البلاد تسبح في دموعها و القاتل يسبح في حمام الحقد و الكراهية و الحسد.
ينهض القاتل  من نومه كل صباح و يرتدي ابتسامته كما يرتدي ربطة عنقه.
الأرض تهتز من هول الجريمة و القاتل متشبث بكرسيه الهزاز.
الإجرام ليس شكلاً.ليس تقطيب حاجبين أو تكشيرة أسنان.الإجرام ذهنية.
كل المجرمين و السفاحين و القتلة غلفوا جرائمهم بالشعارات، كلهم ادعوا العفة و الطهارة.
كلهم انتهوا إلي مزابل التاريخ أو أعواد المشانق.
فيا فخامة القاتل كفي...ارحل".

و الآن أود أن أسأل زاهي وهبي: هل هذه المنثورة كانت للرئيس اللبناني..أم أنهم كلهم هذا الرجل؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق